يقول: (فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم، فضلاً عن أن يتواتر عندهم) وهذا معلوم، فقد يتواتر عند الأطباء ما لا نعلمه نحن، فضلاً أن نتواتر عليه، إذ إنه ليس شرطاً؛ لأننا قد لا نعلم به أصلاً؛ لأنا لسنا من أهل الطب والهندسة أو غير ذلك.يقول: إذاً فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون به مما لا شعور لغيرهم به البتة، فخبر
أبي بكر و
عمر بن الخطاب و
معاذ بن جبل و
ابن مسعود رضي الله عنهم ونحوهم يفيد العلم الجازم الذي يلتحق عندهم بقسم الضروريات عند أهل الحديث، وعند
الجهمية و
المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام لا يفيد علماً؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا العلم والعياذ بالله، فقد أعمى الله بصائرهم عنه. يقول: (وكذلك يعلمون بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وعند
الجهمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك). بل إلى الآن
الإباضية في
عُمان توزع كتاب
الحق الدامغ وينكرون فيه الرؤية، فيقولون: لا يمكن؛ لجهلهم بالحديث، لكن المعتبر هو أهل هذا الفن، يقول: (وكذلك يعلمون) أهل الحديث (بالضرورة أن نبيهم صلى الله عليه وسلم أخبر عن خروج قوم من النار بالشفاعة، وعند
المعتزلة و
الخوارج لم يقل ذلك). بل إلى الآن
المعتزلة و
الخوارج ينكرون الشفاعة، و
أهل السنة والجماعة يثبتون شفاعته صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الملائكة، وشفاعة الصالحين في قوم من أهل النار دخلوها أن يخرجوا منها بفضل الله تبارك وتعالى، ثم بشفاعة هؤلاء الشافعين الذين يشفعهم الله تعالى فيهم، ثم قال: (وبالجملة فهم جازمون بأكثر الأحاديث الصحيحة، قاطعون بصحتها عنه وغيرهم لا علم عنده بذلك). والمقصود أن هذا القسم من الأخبار يوجب العلم عند أكثر العقلاء. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.